الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لماذا حرقت قيادة البعث رسائل المس بيل بعد طبعها؟

بواسطة azzaman

لماذا حرقت قيادة البعث رسائل المس بيل بعد طبعها؟

عادل الياسري

 

في هذه الدراسة وثائق سرية تنشر لأول مرة..

قـبل أن أبــــــــدأَ بـدخان حريـق الرسائل. يطيب لي ان ابدأ عما كتبته المس بيل عن المجاهد السيد نور السيد عزيز الياسري؟ 

لقد اعتبرت المس بيل المجاهد السيد نور السيد عزيز الياسري منقذاً للناس وقالت “ ان السيد نور هو من أكثر السادة نفوذاً في الفرات الاوسط.. وإذا مشى بين الناس مثل نوح وهو خارج من سفينته

ولكن السؤال متى قالت ذلك؟ حين وصل السيد نور والزعماء الاخرين من مكة الى بغداد بمعية الأمير فيصل؛ في تموز 1921 وشاهدت جماهير بغداد وشبابها تهتف “صلوا على السيد نور” ولكن من المحزن ان مؤرخي الثورة العراقية الكبرى 1920 حاول بعضهم بقصد الى محو دوره في ميدان الثورة وطمس تضحياته الكبيرة ووضعه في زاوية مهملة من الاحداث وبالذات مؤرخي الفرات الاوسط.. وقد كتبتُ فصلاً كاملاً في بحثنا بعنوان “السيد نور وثقافة الحذف

السؤال الذي يطرح نفسه هل هي قابلت السيد نور؟ او هل طلبَ مقابلتها بعد الاحتلال او زارته في مضيفه او في بيته مثلما طلب البعض ان تزوره؟

كان السيد نور الياسري عند الملك فيصل قبل تتويجه ثم جاءت المس بيل وسلمت على السيد نور؛ وأخذت تسأله عن أسماء وصائفه والخدم بأسمائهن وبعدها بعض أسماء زوجاته؛ مما بدأ سورات الغضب بارزة على وجهه. فقد أدرك الملك غضبه؛ فقال الملك للسيد نور؛ هذه المس بيل. وثم قالت المس بيل لقد دخلت الى بيتك لغرض تطعيم الجميع من مرض الجدري واعرف جميع أسماء الوصائف. وبالطبع كانت في أيام الاتراك.َ

يجب ان لا يستغرب القارئ من غضب السيد نور حين ذكرت المس بيل أسماء النساء. وكذلك الملك فيصل كان يخجل حين تسأله المس بيل عن زوجته في مجلسه الخاوي من الحاشية والرعية. تلك هي الثقافة الاجتماعية السائدة يومذاك قبل قرن من الزمن للمرأة. وقد تصل الثورة على الحكومة أذا أرادت أن تسجل النفوس للذكور والإناث أيام الاتراك.

  من يقرأ رسائل المس بيل يجد جنوح عاطفتها وتهورها احيانا ضد زعماء الحركة الوطنية العراقية؛ فتصف البعض بالحمار او طبل مكسور او طبل فارغ؛ وكذلك الكلام البذيء ولكن مما يقزز الباحث ذلك الوصف الشنيع لوفاة الشيخ محمد تقي الشيرازي المجتهد الاكبر في الثورة حيث وصفت وفاته (بالتعفن الشيخوخي)؛ وقد ذكرت في اكثر من رسالة انها تكتب التاريخ. فهل يتكتب التاريخ بتلك العبارة ..!؟ ويجب ان لا نستغرب منها ذلك الوصف ثم ماذا يريد ان يقول المحتل للثائرين؟ ولكن ماذا يفعلون اذا مات الموالون لهم من رجال الدين؟ فقد طلبت المس بيل من كاظم الدجيلي ان يكتب عن حياة السيد كاظم اليزدي بعد وفاته في جريدة العرب في أكثر من عدد تكريما لجهوده في مؤازرة الاحتلال ولا ننسى الموسيقى الجنائزية العسكرية الرسمية له.

مصدر قوة

كان للمس بيل كنى واسماء كثيرة؛ فقد كان في بغداد يطلق عليها من قبل الوجهاء والناس بالخاتون. وان عبد المجيد الشاوي مدير بلدية بغداد كان يلقبها (أم المؤمنين) وتقول المس بيل في رسائلها كان الشاوي يأتي لزيارتي في كل صباح وانا اقابله بالروب (أي ملابس النوم). وكانت أحب الالقاب اليها من نفسها كوكزه مؤنث كوكس؛ وتعتبر كوكزه مصدر قوة لها. وكانت صديقة حميمة للشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي ومن اعز أصدقائها. وكان من كرمها له جعلته عينا في مجلس الاعيان في الدورة الاولى. وكان الشاعر الكبير معروف الرصافي عدوها اللدود والطرف النقيض للزهاوي في المواقف الوطنية. ومن الطريف حين تحضر المس بيل الاحتفالات الادبية ويلقي الشاعر الزهاوي قصيدته فهي تمجده في مذكراتها وأحاديثها؛ ولكن عندما يلقي الشاعر الرصافي قصيدته تقول لا افهم شعره بالرغم هو من اساطين اللغة.

لماذا حرقت (رسائل المس بيل) القيادة القطرية لحزب البعث بعد طبعه؟

كنتُ ابحث عن رسائل المس بيل بعد طبعها في المكتبات العامة ومكتبات الجامعات في بغداد حتى اخذت وقتاً طويلاً مني ولم أجد الرسائل. فذهبتُ الى شيخ المؤرخين السيد عبد الرزاق الحسني وسألته عنها؛ فقال عندي الرسائل واخرجها من مكتبته. واخذت اقرأها على عجل قراءة باحث في المساء. فقلت له هل أستطيع ان استعيرها؟ قال “كلا” تستطيع ان تقرأها في مكتبتي. قلت له هذه الرسائل يا أستاذنا عدد صفحاتها كثيرة. قال هذه الرسائل قد حرقتها القيادة القطرية لحزب البعث العراقي بعد طبعها. وهذه نسخة نادرة واني أخشى ان أفقدها. وقد شاهدت على هذه الرسائل هذه العبارة كتبها طارق عزيز وزير الاعلام (هديتي الى البحاثة السيد عبد الرزاق الحسني) وبالحبر الأخضر. وقد ترجمها جعفر الخياط. وهي الرسائل التي تخص العراق. وقد كتبتها الى زوجة ابيها في لندن فهي رسائل يومية تكتبها في الليل وترسلها اليها في الصباح مثل شهرزاد في بغداد وحكايات ألف ليلة وليلة ولكن كانت رسائلها عن العراق. وطلبت منها ان تحتفظ بها وبعد وفاتها جمعت الرسائل وطبعت.

وكانت زيارتي الى دار الحسني كل يوم ثلاثاء لأقرأ الرسائل وأخيرا وافق الحسني على اعارتي الكتاب ثلاثة أسابيع.. الرسائل كانت مهمة جدا فيها كثير من الحقائق الغائبة فأصبحتُ اقرأها قراءة غير عادية.. وبعد أكثر من سنة قال لي الحسني لقد حصلت لك نسخة من رسائل المس بيل وان صاحبها يريد بيعها بثمنٍ غالٍ وقلتُ له ادفع له ما يريد؛ فشتريها وهذه صورة الغلاف الذي امامك وفيه هذه العبارة بالختم الأحمر (يمنع تداولها الا اغراض الرسمية).

شيخ المؤرخين السيد عبد الرزاق الحسني تسرق نسخته من مكتبته...!

وشر البلية ما يضحك في أحد زياراتي له قال الحسني لي  أن نسختي قد ضاعت هل تبيع نسختك واني ادفع لك ما تريد. قلت؟ لا ابيع؛ ولكنك تستطيع ان تستعيرها متى تشاء. وصار يستعيرها مني.

بعد ان أصبحت رسائل المس بيل في حوزتي اخذت أقرأ صفحات الثورة كلها حرفاً حرفاً لكني لم أجد شيئا عن السيد نور الياسري. ثم طرحت عدة تساؤلات لماذا لم أجد عنه أي شيء وهل من المعقول لا يوجد عنه أي شيء؟ لكن الشك ظل يساورني عن الترجمة. وحين قرأت النسخة الانكليزية في أمريكا وجدتُ عن السيد نور الياسري في أكثر من صفحة. وبالطبع هذا جزء من ثقافة الحذف الذي تعرض لها السيد نور حتى في الترجمة. والجدير بالذكر ان جعفر الخياط حذف بعض القضايا لدوافع معروفة ولكنني معجبٌ بأسلوبه في الترجمة. ومن ضعف الترجمة وعيوبها ان تعلق انت دون ان تترك النص حرا طليقا وتلوي عنان رقبته. وكان كثرة  التعليق على كل رسالة حتى تصل الى درجة الملل. وان من عيوب الترجمة التعليق في الحواشي.

وجاء في بحثنا: لقد تمت ترجمة رسائل المس بيل في العراق من قبل جعفر الخياط وطبعتها وزارة الاعلام في عام 1977؛ وكان سعر الكتاب ستة مئة فلساً ولكن في اللحظات الاخيرة من توزيع الكتاب منعته الرقابة وجعلت  تداوله  “ إلا للأغراض الرسمية “ في دوائر الدولة الخاصة . وباختصار لان منذر الشاوي كان وزيراً للعدل وجاسم نصيف الدليمي وزيرا للأعلام وخشية من كشف المستور عن عبد المجيد الشاوي وخدمته الكبيرة للاحتلال البريطاني وعن دور الشيخ علي السليمان الدليمي في تثبيت اركان الاحتلال في العراق أومن هم على شاكلة الدليمي او الشاوي في الدولة قبل نظام الحكم من الاسر التي خدمت الاحتلال البريطاني في العراق؛ فصار الكتاب من الممنوعات الكبرى ومن المحرمات. وفيه أسماء كثيرة واسرار خطيرة.

ويجب ان يفهم ان الحقيقة التاريخية يخشى منها المتنفذين في السلطة ولا يقبل الرعاع تصديقها وان بحثنا (جهاد السيد نور ...) هو أحد عناوين الحقيقة التاريخية الغائبة؛ ومن الصعب ان تجده في الأسواق. وقد نفذ في معرض الكتاب في بغداد خلال 48 ساعة.

المس بيل والشيوخ

      لقد كانت المس بيل ضالعة بشؤون العشائر أكثر من المؤرخين العراقيين الذين دوّن تاريخ العشائر العراقية. وقد أفلحت بقيامها الحفلات التوفيقية للشيوخ الموالين للإنكليز المنغمسين في الملذات والشهوات والمنافع الشخصية؛ ليتعرف بعضهم بالبعض بتكوين جبهة عريضة منهم كإجراء احتراسي خشية من تكرار الثورة العراقية الكبرى وقد كانت النواة الاولى مجموعة صغيرة من الشيوخ الستة وأطلقت عليهم بحزب الشيوخ الستة.

ومما لا شك فيه ان حفلاتها التوفيقية كانت موجهة ضد السيد نور السيد عزيز الياسري والسادة والشيوخ الاشراف وغيرهم من القوى الوطنية.

 وهكذا تتسع هذه القاعدة بمرور السنين وتتحول مثل قطعة الشطرنج بيد مواليين للاحتلال او صنّاع الاحتلال وأدوات للأحزاب المتصارعة على السلطة وبتعبير ادق صاروا الحلبة للمتصارعين والاخص شيوخ الفرات الاوسط.

جبهة واحدة

وجاء في رسالة كتبتها (كان عندي مجموعة من شيوخ العشائر الكبار في البلاد ومعظمهم ممن لم ير بغداد من قبل مطلقا؛ ها هم قد جلسوا هنا يدخنون ويتناولون المثلجات. لقد شعرت بكثير من الاعتزاز والفرح حينما وجدتهم مجتمعين سوية. ولم يكن بعضهم يعرف البعض الآخر حتى بالنظر؛ مع أنهم يقاتلون في جبهة واحدة.)وبالمقابل نجد هذا الكتاب السري في ملفات وزارة الداخلية العراقية ضد الشيوخ المغضوب عليهم ومن المشاركين في الثورة بعد عامين.

سري  العدد 5620 في 4 نيسان 1922

سعادة متصرف لواء الحلة المحترم.

بعد التحية. لقد علمنا بانه يوجد خبر للتشبث بإعادة الشيوخ الذين سحبوا من مشيختهم لاشتراكهم بالثورة الزائلة وبما ان العفو العام الصادر لا يشمل مثل هذه المسألة. فيلزم عدم اعتبار مثل هذه المراجعات؛ وليكن معلوم بان الذين قد سحبوا من المشيخة لاشتراكهم في الثورة لا يمكن ارجاعهم ثانية هذا ولكم الاحترام.

التوقيع وزير الداخلية توفيق الخالدي.

ويمكن القول ان الشيوخ الذين اشتركوا في الثورة دفعوا ضريبة عالية للوطن وبنفس الوقت ان المس بيل ساهمت بمحاربة الدولة المدنية في العراق. وتجدر الإشارة ان حبيب الخيزران شيخ قبيلة عزة وضع في السجن بعد ان تشاجرت عشيرتان لا علاقة لهما بعزة انتقاما منه لاشتراكه في الثورة.

وكان للمس بيل باع طويل من الحنكة والتدبير في محنة العراق الطائفية.

المس بيل والماسونية

لقد ماتت المس بيل في العراق بتاريخ 12 تموز 1926 في بيت استأجرته في بغداد؛ بعد الاحتلال المدينة في اذار 1917 م. وكان يقع فـــــي محلة السنك. ودفنت في ساحة الطيران في بغداد. فقد دخلت العراق اول مرة في عام 1909؛ وبدأ نشاطها التجسسي بطرق مختلفة؛ واستطاعت ان تجعل من البدو والعشائر المتنقلة؛ أو ما يعرف بأنصاف البدو؛ مخبرين ماهرين يعملون معها

 

وكان اهم الاشخاص الذي يرافقها في رحلات تنقلها (فتوح) وتجدر الاشارة ان جماعة العهد (بغداد) في بعض الاحيان إذا ارادوا ان ينقلوا افكارهم الى المس بيل بطريق مباشر او غير مباشر وكان فتوح أحد قنواتهم. كانت المس بيل تكتب المذكرات الرسمية المهمة نقلا عن معلومات فتوح. وفي عام 1915 أصبحت موظفة بصفة خبيرة في المخابرات في المكتب العربي في القاهرة؛ وهو من أهم مكاتب المخابرات البريطانية في الشرق الاوسط.

وفي عام 1916 تم تعينها في مكتب المخابرات في البصرة والتحقت في الحملة العسكرية البريطانية؛ وظلت على استمرار باتصالها الدائم بالمكتب العربي في القاهرة وتكتب لهم اسبوعيا التقارير عن الحالة السياسية في العراق. ويمكن القول ان “العقد الأخير” من حياتها كان قد عاشته في العراق لتصبح أحد الذين رسموا خارطة الشرق الاوسط السياسية. لقد وقفت المس بيل بجانب برسي كوكس في صراعه المحتدم مع الجنرال مود قائد جيش الاحتلال؛ وبعد موته بالكوليرا لتصبح اقرب شخصية الى كوكس حين صار المندوب السامي في العراق ؛ وكانت اولى خطواته ان يجعلها مساعد حاكم سياسي ؛ ثم سكرتيرته ؛ وكان طموحها ان تصبح المندوب السامي في العراق أثناء عملية الاستفتاء(١٩١٩) ؛ إذا اصبح كوكس الحاكم الساسي المطلق في العراق ؛ لكن الثورة العراقية الكبرى وجهود رجالها المخلصين افسدوا عليها احلامها . وثم كلفت ان ترأس دائرة الاستخبارات في وزارة الداخلية والتجسس على “الملك فيصل”. وكانت تعد التقارير النصف شهرية في عملها؛ وتقول عن التقارير: ((ويتألف كل واحد من هذه التقارير (1) محاضر جلسات مجلس الوزراء (2) الرأي العام وفيه جميع الحوادث المهمة؛ وانواع الدعاية؛ وحملات الصحف (3) ملخص عن شؤون المحافظات؛ وقلاقل القبائل؛ وشؤون الرأي (4) الحدود.))

لقد كتب السير (Sir Percival Phillips) مقالا في جريدة الديلي نيوز عن حياتها السياسية في العراق عنوانه (المرأة الانكليزية في بلاد النهرين ـ العراق) ومن يقرأ هذا المقال يدرك كأن كاتبه درس مذكرات المس بيل ومطلع على اسرارها ولكن مذكراتها لم تنشر إلا بعد وفاتها حيث اوجز في المقال عن حياتها السياسية في العراق والشرق الاوسط.

The Daily News 21 March 1923

وتجدر الإشارة فقد جاء في التقارير البريطانية لإدارة في العراق لعام 1926؛ كانت وفاتها مقرونة بخدماتها للأثار العراقية؛ وتأسيس المتحف العراقي في بغداد؛ وجاء فيه (حقا أن من الصعب جدا أن يملئ فراغها بعد رحيلها).

وان الشيء الذي أدركته واستنتجته بعد دراستي الموسعة في الوثائق السرية عن حياتها في العراق انها ضد الماسونية لهذا السبب فتح اول مكتب للماسونية في البصرة وليس في بغداد في حياتها. وربما كرهها للماسونية هو الذي جعلها لم تصبح من مجلس اللوردات في لندن.

 

 

 


مشاهدات 39
الكاتب عادل الياسري
أضيف 2025/05/10 - 12:44 AM
آخر تحديث 2025/05/10 - 3:56 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 268 الشهر 11517 الكلي 11005521
الوقت الآن
السبت 2025/5/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير