اللقب .. متعة زائلة أم مجد باق؟
منتصر صباح الحسناوي
قبل يوم، سألني أحد أصدقائي: «لماذا لا تكتب لقبك العلمي ’د‘ عند نشر مقالاتك ؟ جاوبته اختصاراً بناء الاسم اولى من الألقاب وهذا ما اعتاد عليه كثيرٌ من أصحابِ المنجز الفكري .
« للحظة، تذكرت تعليقاً قديماً على منشور نشره أحد إخوتي عام 2019 مهنئاً بحصولي على الدكتوراه : «مبارك للشيخ الدكتور.…. «. لم يمضِ وقت طويل حتى جاء تعليق آخر من صديق محب، له رؤية مختلفة : «نريده باحثاً متميزاً ، لا شيخاً». ابتسمتُ بين هاتين النظرتين المتباينتين، إحداهما ترى أن اللقب جزء من المكانة الاجتماعية التي منَّ الله بها من إرث عائلة، ودرجة علمية ، والأخرى تشدني إلى عالم البحث والمعرفة هي أقرب للبراغماتية حيث لا قيمة لشيء سوى الإنجاز.
الألقاب، رغم بريقها ليست سوى انعكاس لما يراه المجتمع، ولا تمثل دائماً تعبيراً صادقاً عن حقيقة الإنسان. في مجتمعنا، لا يزال للألقاب وزن ثقيل، فهي ليست مجرد كلمات بل «مفاتيح» تفتح بها الأبواب ورموز تُورث عبر الأجيال، قد يكون الاسم وحده غير كافٍ في بعض الأحيان فأنت بحاجة إلى لقب يضعك في موضع الاحترام قبل أن تُسمع كلمتك.
مجد حقيقي
ولا أخفي عليكم أن اللقب الذي يُكتب قبل اسمي أو يُناديني به أحد يكون كالدوبامين الذي يشعرني بالارتياح، لكنه واقعاً كالوهم الذي يدمنه الكثير ويصدقونه، هو شعور لحظي بالنشوة لا يصنع مجداً حقيقياً، ولا يبني اسماً يظل خالداً بعد أن يزول اللقب.
فاللقب قد يمنحك الاحترام الشكلي والبروتوكولي لكنه لا يصنع لك قيمة حقيقية ما لم يكن وراءه أثرٌ ملموسٌ وإنجازٌ يُشهد له، ولا سيما مع فقدان قيمة الالقاب لاعتباراتها الحقيقية في ظل العشوائية الكبيرة وعدم الاعتبارات الحقيقية للالقاب فكثرت الزعامات والشيوخ والامراء وزاد الطين بله الشهادات عن بعد وحتى عن قرب،
وكثير من الالقاب الفنية والسياسية والاجتماعية وحتى الدينية قد لا يحمل من نطلقها عليه منها إلا اسمها .
واذا ما تأملنا التاريخ هل سنتذكر الجواهري بصفته شاعر العرب الأكبر ، أم أن اسمه وحده كان كافياً ليحفر مكانه في وجدان الزمن؟ جواد سليم، فائق حسن، محمد غني حكمت، بدر شاكر السياب، عبد الجبار عبد الله، مصطفى جواد، هادي العلوي، جواد علي ، علي جواد طاهر ... لم يكن أحد منهم بحاجة إلى لقب كي يُعرف ويُحترم، بل إن أسماؤهم وحدها أصبحت علامات فارقة في الذاكرة الثقافية. ايضاً لو نظرنا إلى علي الوردي، هل يحتاج أحد إلى أن يسبقه بلقب «الدكتور» كي يعرفه؟ اسمه وحده كافٍ ليستحضر في الذهن أعظم التحليلات الاجتماعية والنقدية للمجتمع العراقي.
جائزة نوبل
ولم يكن نجيب محفوظ في مصر مجرد «الأديب نجيب محفوظ»، بل كان اسمه بحد ذاته كافياً ليرتبط بجائزة نوبل. حتى عالمياً، الأسماء التي خلدها التاريخ لم تكن تعتمد على الألقاب، بل على الإنجاز. أينشتاين، ستيفن هوكينغ، شكسبير، بيكاسو، فان غوخ، نعوم تُشُومِسْكِي ….. جميعهم صنعوا أسماءهم بأنفسهم، ولم يكونوا بحاجة إلى ألقاب تسبقهم.
هنا ايهما افضل أن يعرف الناس بلقب يوَّرث أو يمنح ، أم باسمٍ يُصنع ؟
لا شك اننا نفرح باللقب «حلوة الدكتور» ولا سيما ان يكون بعد تعب وجد وسهر ليال، لكن الرضا الأكبر والأهم ان يتم بناء الاسم ليعزز مكانته الفعلية لللقب او يسمو عليه حين يُقال: «هذا عمل فلان»، لا «هذا عمل الدكتور فلان»، عندها سندرك أن القيمة الحقيقية لا تأتي من الألقاب، بل مما ينجزه الإنسان ويتركه خلفه أثراً لا يُمحى. الألقاب قد تُفتح بها الأبواب، لكنها لا تضمن لك البقاء فيها، وحده الاسم، حين يُبنى على العمل والمعرفة والعطاء، يعلو فوق الألقاب، ويظل خالداً مهما تغيرت الظروف.
ليكون السؤال الذي يجب أن يطرحه كل شخص على نفسه: هل سيظل اسمي حاضراً بعد غياب لقبي؟
فإذا كانت الإجابة نعم، فقد صنعتَ مجدك الحقيقي، أما إذا كان اسمك لا يعني شيئاً دون لقبك، فأنت لم تبدأ بعد في بناء ذاتك.