النزعة الإنسانية في الأدب الصوفي
معراج أحمد معراج الندوي
إن الأدب الصوفي هو من مصادر التربية الخلقية الذي ينبغي أن يدرج في الأطوار التعليمية، لأن المتصوفة، إنما سجلوا أخلاقهم في نصوص وما يروى عنهم من أخبار. وللتصوف علاقة وطيدة بالأدب نثرا وشعرا كما لاحظ الجاحظ عندما اهتم بالصوفية، فقد الجاحظ في المتصوفين شيئين، جودة الأدب وقوة الأخلاق، لذلك نراه يقول في كتابه "الزهد" : نبدأ باسم الله وعونه بشيء من كلام النساك في الزهد، وبشيء من ذكر أخلاقهم ومواعظهم.
التصوف في الأصطلاح الأدبي هو تلك التجربة الروحانية الوجدانية التي يعيشها السالك إلى ملكوت الحضرة الإلهية والذات الربانية، من أجل اللقاء بها وصلا وعشقا. إذا كان الفلاسفة يعتمدون على العقل والمنطق نهجا للصول إلى الحقيقة، والفقهاء يستندون إلى الظاهر النصي، فإن المتصوفة يتكلمون في معرفتهم على القلب والحدس الوجداني متجاوزين بذلك العقل والحس نحو الباطن، لذا يعتبر التأويل من أهم الآليات الإجرايئية لفهم الخطاب الديني.
لقد تطور الأدب الصوفي نثرا وشعرا، وبلغ ذروته على يد ابن عربي وابن الفارض في الأدب العربي وجلال الدين الرومي في الشعر الفارسي، ولم يظهر الشعر الصوفي إلا بعد شعر الزهد الذي اشتهر به كثيرا أبوالعتاهية.
أما في العصر الحديث، فنجد نزوعا نحو التصوف عند الرومانسيين، كما نجد النزوع عند المعاصرين الذين يستلهمون الشطحات الصوفية ويتخذونها كأقنعة أو يستحضرون مقتبسات الصوفية والوعاظ. نجد ذلك عند أدونيس والبياتي وعبد الصبور خليل حاوي كما نجد شخصية النفري عند أدونيس وشخصية السهرودي عند فريد الدين العطار وجلال الدين الرومي عند عبد الوهاب البياتي، وشخصية الحلاج عند صلاح عبد الصبور في قصيدته مأساة الحلاج، وشخصية رابعة العدوبة عند نازك الملائكة في قصيدتها "الهجرة إلى الله".
لقد مر الأدب الصوفي بأطوار مختلفة في القديم والحديث، ففي القديم ارتبط بشعر الزهد والمتصوفة السنيين، ثم انتقل إلى المتصوفة الغلاة أو المتصوفة الفلاسفة وصولا إلى القصيدة الرومانسية والشعر الحر المعاصر. يتميز الأدب الصوفي بالغموض أكثر سمات جاذبية، يميل الصوفيون إلى التلميح والإيحاء والإيجاز، فتكون أفكارهم لطيفة وروحانية، لذا نجد أن الأدب الصوفي أدبا غامضا لأنه يتجاوز اللغة الحسية التي لا تستطيع الوضوح والكشف.
النزعة الإنسانية هي فلسفة تدرك قيمة سمو الإنسان وتجعل منه مقياس للأشياء جميعها، أو تتخذ من الطبيعة الإنسانية، ويعتبر التصوف أكثر جوانب الثقافة الإسلامية انفتاحا على سؤال الإنسان وتأكيدا على مكانته وشرف حقيقته حيث اختص الصوفية الذات الإنسانية ببالغ العناية، والاهتمام من أجل تفحتها الروحي وارتقائها النفسي والاجتماعي، وكما لها السمات الوجودية والمعرفية والأخلاقية، وذلك من منطلق الخميرة الروحية الكامنة منها، والمعززة بنوافذ الإنسان الخاصة كالقلب الوجدان والخيال والذوق، هذه النوافذ من شأنها أن تسمو بالإنسان إلى المعنى الروحي للوجود. فالحب للإنسان في الأدب الصوفي هو من أنبل العواطف الإنسانية وأجملها وأعمقها أثرا.
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية ،كولكاتا - الهند