الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عملية الخلق والتخيل في رواية الحيوان وأنا

بواسطة azzaman

عملية الخلق والتخيل في رواية الحيوان وأنا

محمود خيون

 

تحدث الكثير من الروائيين في معظم اعمالهم التي اصدروها عن الحرب وويلاتها وما تسببه للأشخاص والممتلكات من دمار روحي ومعنوي حتى ان قسما منهم يذهب بعيدا في رؤياه وبما يملكه من قدرات فنية في البناء القصصي والروائي لتطوير تلك الادوات التي يستخدمها بكل حرفية ومهنية واتقان مع تعزيز روح المعنى وربطه في ايدلوجية للكتابة الحرة التي تستوجب الوقوف عند كل نقطة دالة في الوصف والتعقيب على سير الأحداث وتنقلات أبطال الرواية من مكان لآخر ومن زمن لزمن آخر..

وفي رواية( الحيوان وأنا ) للكاتب أمجد توفيق التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية مؤخرا، تتجلى فيها صور كثيرة عن ما مر بالبلاد من أحداث ومتغيرات شملت جوانب عديدة فيها، بعد ان عصفت آلة الحرب بكل مفاصلها وخلفت المآسي والويلات وتركت آثارها في نفس وروح الإنسان من جوانب مختلفة، فالكثير منهم من ظل يعاني من أزمات نفسية قاهرة جعلته في عزلة تامة عن بقية الخلق..ومنهم من هجر البلاد إلى البلاد الغريبة والآخر من إختار الريف وعاد إلى حياة القرية لينعم بالهدوء والسكينة والاطمئنان..وعاد ليولف نفسه مع الحيوان مثلما كانوا في السابق يهتمون بتربية المواشي والحيوانات كالكلاب والقطط والدجاج والطيور وغيرها كتعبير على ان الحيوان هو اخلص من بني آدم في الوفاء وتقديم الخدمات من دون مقابل...(( كعادتي نهضت صباح اليوم، كان علي ان أطعم حيواناتي، اطعمت القطط والدجاج، وقدمت وجبة مسخية لكلبي الوفي، ثم بدأت أمشي في ممر طويل تنتشر على جانبيه أشجار متنوعة ))...

ثالوث متصارع

بضمير المتكلم هكذا يحاكي الراوي والشخصية الرئيسية في الرواية المدعو دانيال علي موسى( الاسم العلم الذي يجمع بين الثالوث المتصارع على السيادة والريادة والسلطة في قيادة الشأن العقائدي، الصراع الذي نتجت عنه اغلب الحروب وتختفي وراءه كل المصائب والكوارث الإنسانية والحضارية )..

لقد استطاع الكاتب امجد توفيق في( الحيوان وانا ) ان يعيد لنا صورة الإنسان بأحلى صوره عندما يكون خارج لعبة المنافسات والتناقضات والمغريات التي يشعلها صخب المدينة والاضواء الساطعة بكل مفاتن الغيرة والطمع والجشع وحب السلطة والعبودية التي تغلف بعض القلوب فتتحول الى قلوب عمياء لا تملك البصر مثلما يمتلكها من يحمل قلبا تضوع بالمحبة وصور الحياة الراقية...لقد تجلت في الرواية الصور الكثيرة عن محكيات لابطالها وبينت حجم التناقضات والعقد النفسية التي اورثتها لهم الحروب وما الت اليه من دمار وتشرد ذهني وروحي حتى اختلطت فيها كل معاني الوجود وتسببت في خلط الأوراق بيد من يحاول ان يعيد ترتيبها إلى الأصل الأول أو أنها تبرز فكرة الكراهية ومقت الحروب التي لم يجن منها غير الخسارات والهزائم المتكررة على صعيد النفس البشرية وعلاقاتها بالآخرين من البشر..ولعل خير شاهد على ذلك ما تركته حرب الخليج  من مأساة كبيرة ودمرت بلدا عريقا واخرت من مساعي تقدمه وازدهاره..ولم يغب عن مخيلة الكاتب الصور الرهيبة لأيام الحرب التي خاض غمارها، فيصفها بوصف دقيق(( كان يوما ينتمي إلى الجحيم، وينتمي إلى إنكار مطلق لقيمة الإنسان..التعب والاعياء والجوع فعلوا فعلهم فكانت البنادق تتساقط من الأيدي والاكتاف، فالجميع يعيشون حالة من قهر جعلتهم يفقدون مرة واحدة أي إحساس بالتفرقة بين الصديق والعدو بين من يحارب معهم أو ضدهم..)) ويردف الراوي وبضمير المتكلم بالمحكية التي يقول فيها(( هكذا وجدت نفسي إلى جانب مقاتل إيراني رمى بندقيته وسار إلى جانبي،وبعد خطوات أنزلت بندقيتي من كتفي  ولم ابذل أي جهد لاسترجاعها، تركتها تسقط فقد كان الاعياء أكبر من قدرتي إلى إتخاذ أي قرار ))...

ومما تقدم اقول ان رواية( الحيوان وأنا ) للكاتب أمجد توفيق ، مروية بصناعة جديدة وايدلوجية جديدة في فن الكتابة والرمزية والتداعي والمونلوج ..استطاع فيها ومن خلال ابطاله الذي حضروا فجأة معه بعد ان غيبتهم الأحداث، دانيال علي موسى وابو رامي وظلام وليل وعلي وصديقه باصي والسجين الهارب وذكرى وموج وغيرهم من شخصيات الرواية ان يوثق مرحلة مهمة من المراحل الصعبة التي مرت بها البلاد وجعلت من الأحداث أكثر سردية تحمل بين طياتها مئات الحكايا المروية بلغة الغائب الحاضر في روحه وتصرفه وفعله وهي عملية خلق وتخيل لمصائر الكثير من ضحايا الحروب الخاسرة.

 

 


مشاهدات 268
الكاتب محمود خيون
أضيف 2024/03/02 - 1:48 AM
آخر تحديث 2024/05/18 - 6:02 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 51 الشهر 7287 الكلي 9345325
الوقت الآن
الأحد 2024/5/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير