
![]() | |
![]() ![]() | |
![]() ![]() ![]() ![]() |
|
![]() | |
![]() | |
النـص : الشاعرة اللبنانية عناية أخضر: الشعر إنفعال عاطفي متّقد من توهّج الذات الحب هو أكسير الحياة وروحها والقصيدة تولد من رحم المعاناة والألم
عادل الميالي عناية أخضر شاعرة لبنانية متفردة ، تميزت بوفرة عطائها الشعري عبر نتاجات نوعية ، مما أهلها لتحتل مكانة مرموقة في المشهد الشعري والثقافي اللبناني ، فلقبت بشاعرة جبل عامل وشاعرة الجنوب . تنتمي الشاعرة عناية إلى أسرة أدبية ، فوالدها الشاعر حسون الأخضر ، مما أسهم بشكل كبير في إثراء تجربتها الشعرية ، فضلا عن العمق المعرفي والثقافة المتجددة . حلقت عناية أخضر في فضاءات الشعر ، عبر قصائدها التي يفوح منها صدق الاحساس والجمال والحب والحنين والانسانية ، فضلا عن لغة مكثفة تعكس عمقا معرفيا وثراءا لغويا ودلاليا وجماليا بهدف التحليق في أفق الصورة الشعرية. شعر عناية أخضر هو شعر العذوبة والرقة والعشق والنقاء والاحساس والمشاعر الانسانية السامية ، مصحوبا بنضج تجربتها وسمو لغتها وشفافيتها وقدرتها الاسلوبية والبلاغية والفنية . صدر للشاعرة عدة دواوين شعرية منها (ماسة الشرق) و (طيف شتاء) ، فضلا عن العديد من الكتب والمؤلفات الأدبية والفكرية . في هذه المساحة نسلط الضوء على تجربة الشاعرة ورؤاها الأدبية والابداعية ، فكان هذا الحوار : { هل لك أن تعيدنا إلى حقل تكوينك الأول ، لنقف سويا على ضفاف هذا التشكل ؟ - ولدتُ وترعرتُ في بيتٍ أدبيّ متأثّرةً بشعر والدي رحمهُ الله .. وقد ورِثتُ الشّعر عنه وحبَّ المطالعة والبحث والتفكّر ، ولطالما كان يحثّني ويّشجعني على ذلك . البدايات الشعرية { من اكتشف نبوءة الشعر عندك ، وكيف كانت بدايتك مع الكتابة والنشر ؟ ظهرت عندي في سن مبكرة ، فكنت أجد نفسي عاشقة للأدب والنظم وقراءة الرواية وحب الفلسفة ، وعندي سرح شاسع من عالَم الخيال أتجول فيه وأجسّد من خلاله أجمل اللوحات الأدبية . { هل كتبت قصيدتك أم ما زلت تبحثين عنها ؟ - في كلّ قصيدةٍ أجدُ جزءً مني ولكن لا أدري متى تكتمل قصيدتي ، فما أدريهِ حتى الآن هو أنّ بي شوقاّ يفوقُ صبري لأنْ أفرِغ ما في حَنايا قلبي من فيض مشاعر ، فإنّه أشبه بغديرٍ يتدفّق وإن لم يفضِ بما فيهِ يختنِق . { الشعر حياة والحياة شعر .. أي العبارتين الأقرب إليك ، ولماذا ؟ الأقرب إليّ هو انّ الشّعرَ حياة وليست الحياة شعرا .. فالشّعر عالَمٌ آخَر وحياةٌ أُخرى تُضافُ إلى الحياة العاديّة ، وجمالُها أنها تأخذ بك وتنقلك من عالم الواقِع وعالم المادة والمحسوس إلى عوالِم أخرى كعالم الأحلام وعالَم الخَيال ، وبالرغم من كونِها وليدةُ الواقع فإنها غير محكومة لنظامه وقوانينه وغير مقيدة بما يسمى الزّمكان . الشعر الرومانسي { يغلب على شعرك الصفة الوجدانية والرومانسية ، فهل هي محاولة لإعادة الدهشة إلى العالم؟ - لا أعتبرها محاولة لإعادة الدهشة إلى العالم ، إنما الشعر الوجداني هو لغة الوجدان والعاطفة والخيال ، وهو تعبير مباشر عن مشاعر الإنسان وظهور ذاتية الشاعر وبوح إحساسه وما يشعر به من أَلَم وعذاب وشوق وحنين وكره ورفض وما إلى ذلك من المشاعر الإنسانية ، وهو انفعال عاطفي متّقد من توهّج الذّات المتأثّرة بكلّ ما حولها ، ومعظم الشّعر الرومانسي هو شعر وجداني وهو المُترجم للعواطِف الخالِصة في مجالاتِها المختلِفة ، وإن أدهش العالم فذلك لا يكون لمحاولة قمت بها ، فالمحاولات بدايات إنما لقربه من روحية المتلقي وجمال نسقه وصدقه ونبضه الحي ، فالشعر كائن حي أشبه بمولود لا يموت يوثق المشاعر الآنية ليبقيها على قيد الحياة .. { اللغة في قصائدك ، وسيلة أم غاية ؟ - لا ينبغي للشّعر انْ يكون غاية في حدّ ذاته ، ولا أنْ يكونَ الشّعر للشّعرِ وكفى ، فالشّعر يجب أن يكون وسيلة للإرتقاء بوجدان الناس إلى ما فيه الخير والصّلاح .. وسيلة تعالج القضايا الإجتماعية لنصل بها إلى الغايات السامية .. تحافظ على إنسانية الإنسان ، وتصقل جوهره الإنساني ، تساعده على تهذيب الذوق ، فهي رسالة إنسانية عامّة ، ووسيلة يتمّ من خلالِها تنمية الملكة البلاغيّة وتفصيح اللسان ، لذا فالشّعرُ الأصيل المميّز بحسنِ سبكِه وبلاغَته واشتمالِه على الخصائص البديعة ، يؤثّرُ في نفس المتلقي ويثير عواطِفه ويمضي به إلى حيثُ يقصد الشاعر. { ماذا يعني لك الجنوب كمكان وذاكرة؟ - الجنوبُ موطني الذي فيه ولدتُ ، ونشأت ، وترعرَعتُ ، وقضيتُ حياتي ، وفيه جميع ذكرياتي ، وكلّ شيء فيه يعنيني ، فانا منه ، وهو منّي ، هو قصيدتي ونبضي .. أتغنّى به وبجمالِه وجباله وسهولِه وبحره ، فجغرافيّته رائعة ومناخُه رائع وطبيعته لوحةٌ فنّية ، وإذا غنى وديع الصّافي ( لبنان ياقطعة سما ) فالجنوبُ سماءٌ بلا حدود . الحب والشعر { الحب كائن طفولي يسكننا دون أن نشعر ، فكيف تصورين هذا الكائن في قصائدك ؟ - الحبّ هو إكسيرُ الحياة وروحُها ، وبدونِه لا حياة ، هو ليس كائن طفولي يسكننا .. هو كلّ جمال في هذا العالم وكلّ حياة هذا العالم ، به خلق الكون وتماسك وبه يسير ، ولا تسير عجلةُ الحياة بدونِه .. فلا أدري من الذي أضاف حرف الراء إلى حب فحوله إلى حرب . { هل يولد النص الشعري من رحم الحزن أم من روح الفرح ، هذه الإشكالية كيف تجسدينها في عطائك الشعري ؟ القصيدة عصارة تجربة من الألم والسهر والإنتظار .. وليدة مشاعر فياضة نابعة من عمق الوجدان ، فالقصيدة تولد من رحم المعاناة .. من رحم الحرمان .. من رحم الألم ، وتنبثق كما تنبثق الحكمة الجذلى من قلب الألم ، وهي تولد أيضا من قلب الفرح والسكينة والدهشة واللذة والسعادة .. فما هي إلا أحاسيس يترجمها الشاعر ويقدمها للمتلقي بقالب حسي مفعم بالنبض الحيّ فيؤثر فيه وبشدّة ، فإن كان مصدره المعاناة والحنين بكى وإن كان مصدره اللذة والسعادة شعر بأنه يطير فرحا ، وهكذا تفعل القصيدة بمشاعرها الصادقة حين يكون الشاعر بارعا في ترجمة أحاسيسه. شعر المرأة { شعر المرأة دائما يصب في قالب الحب والوجع من الرجل كأنه هاجسها السرمدي ، متى تخلع المرأة رداء الرجل وتتجه إلى منافسته بدل هذا ؟ ليس مطلوبًا من المرأة أن تنافِس الرّجل ولا أن تكون في إثره أو في مواجهته ولا حتى في مجاراته أيضاً ، فهي تختلف عنه اختلافاً واضحاً من حيث تكوينها ووظيفتها في الحياة ، وتلك ميزة جميلة ولا تعتبر نقيصة أو تخلّف ، فالمرأة هي إمرأة قبل أن تكون شاعرة ، وتحتاج إلى الحبّ أكثر من الرّجل بسبب عاطفتها وخصوصيّة تكوينها الخُلقي ومشاعرها الأنثويّة ، لذلك من الطبيعي أن تكتبِ الحبّ والغزل ، غير انها لم تقصر مداد قلمها عليه أبداً وإنما اقتحمت ميدان الأدب والاجتماع والفن ، لذا أجد بأن الغزل في شعر المرأة يُعد قليلاً مقارنة بالغزل في شعر الرجل ، رغم أن شعر المرأة أصدق في بعض الأحيان . { هل الكتابة قدر يتملكنا أم نتملكه ؟ - نعم الشّعر قدَرٌ وَالشعر قُدرةٌ ، فالشّاعِر يُولَدُ شاعِراً بالفِطرة .. يولَدُ ولديه موهبَة الشّعر ، فالموهبة هي القدرَةِ على التّفكير والإستدلال ، وتحديدِ المفاهيم الّلفظيّة وإدراكِ أوجهِ الشّبه بين الأشياء والأفكارِ المُماثلة ، وكذلك الرّبط بين التّجارب السّابقة والمواقِف الرّاهنة ، فالشعر قدر يتملّكنا وقدرة نمتلِكها .. ونبقى نحيا معا في جزرٍ ومد نخوض عباب الحياة . قصيدة النثر { قصيدة النثر ، هل تنسجم مع إيقاع العصر ؟ - هي منسجمة مع إيقاع العصر وموجودة بقوة ، رغم إختلاف الشعراء والنقاد حولها وعدم الإعتراف بها ، فمنهم من أدخلها في باب الشعر ، ومنهم من أخرجها منه ، غير أنها إستطاعت مجاراة إيقاع العصر وتماهت مع سرعة التطورات الحاصلة في عالمنا المتغير ، لذا فهي قيمة أدبية ذات رونق خاص وحالة من الابداع تتعلق بذاتية الشاعر وما يحسه ويشعر به ، يتحرر الشاعر فيها من الالتزام بالوزن والقافية وقواعد الشعر المحكمة ، وتبقى له حرية التعبير عن مشاعره وفكره دون قيود ودون أن يلتزم بوزن أو بحر شعري معين ، ولي تجارب متعددة في قصيدة النثر بما لها من سمات الأدب الجميل من غائية اللغة الشعرية والانفتاح الدلالي والغموض الدلالي والكثافة والإيقاع والقصدية ، مما يجعلها شعرا بالضرورة. { أين تكمن لعبة الجماليات في كتابة النص الشعري ؟ - من جماليات النص الشعري ، اللغة ، الإتساع الدلالي ، العمق ، المغايرة ، التنوع ، والقدرة على الإدهاش ، وكذلك تسلسل الأبيات وترابطها بشكل سليم ، وأن لا يخلو النص من جوهر في مضمونه ، ورسالة يود الشاعر إيصالها إلى المتلقي ، ويعتمد الأمر على المخزون اللغوي والفكري والاجتماعي والنفسي للكاتب وعلى خلفيته الثقافية ومدى اطلاعه وقدرته على توظيف مفرداته ومخزونه الثقافي واللغوي بشكل جيد ، فالجمالية التناصيّة تثير انتباه المتلقي وتـوقظ فيه الإستنتاج والإستنباط والتأويل وتدفعه للـمشاركة في بناء نسـق جديد للنصّ الأصلي ، فالصورة الشعرية الغير مشوشة والخيال الشعري والإسقاطات الشعرية كلها أمور تعتبر من الجماليات وفيها دلالة على وعي الشاعر وثقافته ، أما المبالغة الفجة والتقليد المنفر أو الترهل السطحي والركاكة في الأسلوب وعدم التسلسل فهي من الأشياء التي تؤثر سلباً على جماليات النص الشعري، بل وقد تنفي عنه صفة الشعر أيضا
| |
عدد المشـاهدات 7376 تاريخ الإضافـة 25/01/2021 رقم المحتوى 46763 |