
![]() |
![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
النـص : أضواء على أدب الفيسبوك.. واسط في قصائد حميد حسن جعفر 1 تفتيت المكان بثنائيات أم تجميعه فيها ؟ ليث الصندوق هذا شاعر مهم من شعراء ال facebook هاديء ومتزن ولا يروّج لبضاعته بصخب وعنف ، يهمس لمن يريد أن يصغي إليه وكأنه قديس يصلي في محراب . عندما قرأت له أول مرة قبل سنوات قليلة ندمت لأني لم أتعرف عليه منذ بداياته التي يُفترض أنها تزامنت مع جيل الستينات . أنه حميد حسن جعفر ، شاعر الكوت المدينة والناس والتاريخ ، يستحضرها في كلّ نصوصه دونما استثناء ، وحتى إذا ما أوهمنا بتجاوزها إلى موضوع آخر سواها قد يكون بعيداً عنها كل البعد ، فلا يعدم أن يخلف فيه شيئاً من لوازمها ، مُضمناً أو متوارياً في بنياته السطحية أحياناً ، وفي بنياته العميقة أحياناً آخر . ولعل فرط تولعه بمدينته الأم هو الذي يُجنبه التهيّب من النثرية ، ويزيل لديه الحدود ما بينها وبين الشعرية ، ويجعل المزج بينهما من متطلبات التوله والاستيهام ، فهو يخترق حدود شعريته بتفاصيل نثرية يعرفها ويتداولها العامة والخاصة من أهل مدينته في حيواتهم تداول المعروف والمستهلك ، بل وحتى تداول الحوشيّ والمبتذل بدون خشية من الإنزلاق بعيداً عن جادة الشعر ما دام زمامه ملك موهبته ، توجهه ، وتُبقي عينيه مصوبتين كعيني صقر على الهدف . تعقيدات سياسية ولربما ظل الشاعر لربع القرن الذي أعقب نهاية الستينات مجهولاً لوسائل الإعلام الرسمية التي لم يكن سواها متوفراً عهدئذٍ ، ولبعض الشعراء المجايلين ، ولذلك أسباب لا علاقة لها به ، بل بالتعقيدات السياسية التي صادرت الإختلاف ، وفرضت على كل الألسن أحد خيارين ، فإما التقية أو الصمت ، واختار الشاعر بعد انهيار الجبهة الوطنية الخيار الثاني ، حتى أنه لم يتقدم بطلب انتماء إلى اتحاد الأدباء والكتاب في العراق إلا بعد عام 2003 . علماً أنه قبل استفحال مرحلة إحادية اللغة الرسمية كان الشاعر قد اشترك مع نخبة طيبة من أربعة شعراء آخرين هم إضافة للشاعر كلّ من حاتم محمد الصكر و عادل العامل وجواد ظاهر نادر و سميع داود في إصدار مجموعة شعرية مشتركة بعنوان ( نوارس الموجة الآتية ) عام 1974 وقد ساعدت وزارة الإعلام العراقية على إصدارها . بعد عام 2003 أطلق الشاعر العنان لموهبته المحتجبة ، وحرر أسر كتبه ، فأصدر مجموعة منها استوعبت اهتماماته المختلفة في الشعر والنقد والانثروبولوجيا والرواية أغلبها صدر في طبعات خاصة ، ولا يخفى على المتابعين بأن الطبعات الخاصة تشكل احد اهم الأزمات الثقافية في العراق لمحدودية انتشارها ، وسوء طباعتها ، ومع ذلك يلجأ إليها اصحاب الأقلام مضطرين ، فهي منفذ النشر الوحيد تقريباً الذي لا خيار سواه . ولعدم التمكن من الوصول إلى طبعات الشاعر الخاصة فقد اعتمدت هذه القراءة على نصوص الشاعر في موقع ال facebook فقط . ألجغرافيا هي السجن القدري الجميل الذي يطلّ من ورائه الشاعر على عالمه الشعري ، وهو لو خير لما اختار سواه ، جغرافيا الكوت / المركز ، وجغرافيا واسط / المحافظة ، ولكن لا المركز ، ولا المحافظة هما كما في جغرافيا الزمان وجغرافيا المكان ، ذلك لأن استنفاذ الطاقات الإيحائية في مزج التاريخي بالجغرافي أفرز معطى مغايراً لا يصلح سوى لتعاطي الذاكرة وهي تجتاز عتبة الوعي استعداداً للدخول في عوالم الحلم . وما دام الشاعر هو الذي يحدد أبعاد عوالم أحلامة ، ويرسم خرائطها بمساطر لغته المتمردة والمنزاحة ، فسيُخضع كل ما يحيط أو يتصل به لسنّة الجغرافيا في الانشطار إلى ( قلب / مركز ) و ( جسد / محافظة ) ، وسيتخذ من هذا قاعدة لشطر المفرد إلى اثنين ، أو على العكس سيقلص المجموع أو يختزله في اثنين مستثمراً صيغ التثنية والتماهي مع الثنائيات ، وسيعكس هذه القاعدة على مشهده المرئي ليحوله إلى صورة من صور التقابل والتناظر . ولهاتان الآليتان دلالات لا تتوقف على المكان أو الجغرافيا ، بل تتعداه لتشمل كل ما يقع ضمن حدود نظر الشاعر . ومن البدهي أن تكون المرأة أحد أهم مفاتيح هذه الألية ، فبالرغم من أن الحدود معدومة ما بين ( المرأة / المكان ) أو ( أنا / المكان ) إلا أنّ كل ما للمرأة خاضع للتمويه والتحول إلى مكان ، وكلّ ما للمكان خاضع للتمويه ، والتحوّل إلى حصة المرأة . ومن اليسير تبين علاقة هذه الثنائية بالثنائية الرسمية الأصل التي أفرزتها الجغرافيا ( المركز / المحافظة ) وبالثنائيتين العاطفيتين ( قلب / مركز ) و ( جسد / محافظة ) . كما أنه من اليسير ملاحظة توالد تلك الثنائيات عن حالات من صيغ التثنية موازية ومتوافقة معها في شبه نظام يكتسب فعاليته من توجيه الدلالات نحو مخاطب واحد . وبصورة أوضح أن الدلالات لا تخرج – إلا في القليل – عن حدود خطاب مخصوص لمتكلم واحد ، وموجه إلى غائب واحد . ولكن قاعدة التثنية الأساسية هذه سرعان ما تترجرج ، ومن ثمّ تتهشّم تحت ضغط بنيتها الثقيلة ، وتتوزع وحداتها الصغرى ذرات في ثنايا الصيغ اللغوية الأخرى حتى لتكاد تبدو التثنية هي القاعدة ، وتكاد مزدوجاتها المربكة للنظر الفاحص تبدو وكأنها نوع من البلاغة الصورية تطيح بهيمنة المفرد ، وتبدد صيغ الجمع ، وتُسخّر ما تبقى من الصيغتين المتراجعتين لصالح ما تستنبطه من محمولات صوتية ودلالية. والمرأة هي حدّ كل الثنائيات المتفرعة عن جغرافيا الشاعر ، وتتجلى أما غائبة أو مخاطبة ، وفي الحالين تملأ كل فضاء النص تأثيراً وحيوية ، بل أنها محركة كل الأفعال الأساسية وما يأتيه الآخرون من من حولها من ردود أفعال ، باستثناء حالات نادرة تتحوّل فيها غلمرأة إلى متلقية ، وتتراجع أفعالها إلى ما دون مستوى التوتر ، وسنفصل في هذه الندرة لاحقاً . في قصيدة ( هل أنا بعض ترابها ، أم هي كلّ ما لديّ من خزائن الله ) يوهمنا الشاعر أنه يتوجه بخطابه إلى إمرأة ما ، إمرأة كلية الحضور ، مترامية الأبعاد ، متباينة التضاريس ، بينما يحدد موقعه في الوسط ما بين تلك التضاريس - الهضاب التي تحيط بالشاعر عن اليمين وعن الشمال ، ولأن تلك الهضاب هي من حصة الجغرافيا التكوينية لجسد المرأة التي هي بدورها جزء من خزائن الله ( هي كل ما لدي من خزائن الله ) فهي ( أي الهضاب ) ليست من معدن الأرض ، بل هي من حصة أسمى وأعظم ، فهي من حصة الله لأنها خزائنه ، وهذا التحصيص الإلهي أخرجها من الإطار المادي . لكنها من جهة أخرى من حصة الكون ( لأنها كواكب ) وهذا التحصيص إعادها إلى عالم المادة الكونية ، لكنها مع ذلك أبقاها في سمائها ، ولم يهبط بها إلى عوالم الناس الأرضيين : ( ألهضاب ، تلك التي عن يميني كواكب كذلك تلك التي عن شمالي ) وثنائية الجهات السابقة ( يمين / شمال ) هي المفتاح البلاغي الذي يُمكّن الشاعر من إطلاق تساؤلاته ، ويُمحورها تحديداً حول سلطات المرأة / الجغرافيا ، والتي لا يطمح الشاعر من ورائها الحصول على إجابات : ( من أسلم لديه مناسكة ليفتح نافذة في الجدار ؟ ) أو ( هل أنا بعض عناصرها ؟ ) أو ( هل هي كلّ ما لديّ من خزائن الله ؟ ) حسبه أن تساؤلاته لا تعبر عن مدى قلقه وضياعه بقدر ما تعبر عن مدى انتمائه لسيدة التساؤلات : ( لن أبحث عمن يؤكد لي ذلك ، أنا بعض ترابها أصابعي شجرها الذي عند الأطراف ) أو ( بين يديها أنا أرائك جسدها ) ولكنّ تأكيد الانتماء – كما ورد آنفاً مرتبط بثنائيتين متداخلتي الحدود تجعل من الصعب الفصل ما بين المتكلم من جهة ، ومن جهة أخرى المخاطب / المخاطبة ، أو ما بين الشاعر والمرأة / الجغرافيا . ومن أجل أن يحقق تلكما الثنائيتين الثنتين عليه جلب ثنائية قبلية من خارج منظومة الثنائيتين الثنتين اللاحقتين . فحقيقة الانتماء لا تحتاج إلى شاهد أو دليل خارجيّ يؤكدها ، أنها تحتاج لحدّ واحد فقط هو الأول من ثنائية ( أنا / الآخر ) فلدى هذا الطرف وحده مفاتيح انتمائه ( لن أبحث عمن يؤكد لي ذلك ) وإصراره هذا على انفراده بتأكيد انتمائه رسم له حدود ثنائية الانتماء العريضة بعرض الجغرافيا والمختزلة بضميري المتكلم والغائب : - ( أنا – بعض ترابها ) - أو ( أصابعي – شجرها ) - أو ( أنا – أرائك جسدها ) وبالرغم من المكانة العلوية لتلك الأجرام البعيدة ، إلا أنّ تعاليها ذا طبيعة فيزياوية مكانية لا يسمو بها إلى مرتبة القداسة ، ولكن مع اقتران العلو ب ( المناسك ) فالدلالة الفيزياوية تتراجع لصالح دلالة روحية ( من أسلم لديها مناسكه ليفتح نافذة في الجدار ؟ ) تسندها ، وتُعمّقها دلالات ذات إيحاءات دينية أخرى لتُخرجها من إطارها الفيزياوي ، وتُدخلها ضمن حدود المقدّس ( بين يديها يتوضأ السحاب ) أو ( أم هي كلّ ما لديّ من خزائن الله ؟ ) . وقد يدخل الزمن كعنصر إيحائي في التدليل على قداسة المكان حين يرتبط بذكرى الهجرة النبوية أو بحدث الهجرة ، كما في قصيدة ( من سيؤذن في الناس ، من ذا سيقرع أجراس المدينة ؟ ) والحدث لا يأتي هذه المرة مفصولاً عن مكملاته ، بل يأتي مقروناً ب ( الفاصلة الزمنية التي تفصل الحدث عن الحاضر أي أربعة عشر قرناً / الملائكة / ذكر الله / الصلاة / نبيّ الرحمة ) : ( فمنذ اربعة عشر قرناً وأنا أستقبل نزولها كأيّ كوكبة من الملائكة ألزموها ذكر الله فإذا بها تُصلي على نبيّ الرحمة ) والثنائيات المتفرعة عن صيغة التثنية هي ليست مجرد تأويلات لعلاقة المتكلم بالمخاطب ، أو المتكلم بالغائب فحسب ، بل هي صيغة من صيغ المجاز يعتمدها الشاعر لكسر بنية الحقيقة النمطية ، ولخلخلة أحادية الدلالة ورفدها بمعان مجاورة . فالثنائية الضدية التي ساقها البحث عن الخراب في ( فيورق خشبي كأي جسدين يبحثان عن خراب ) والتي يحاول الشاعر بناءها من حدين نقيضين هما ( الإيراق / الخراب ) ينفتح حدّها الأول بحكم ارتباطه ب ( خشبي ) على صيغة تثنية ( كأي جسدين ) وهذه صيغة إشكالية من وجهتين : ألوجهة الأول : أنها اختزلت المجموع ( خشبي ) في إثنين . ألوجهة الثاني : أنها بددت الإثنين في اللاشيء ( خراب ) . وإذا كانت الوجهة الثانية تمثل حقيقة كونية مفادها أن كلّ شيء إلى زوال ، فما هو مسوغ الوجهة الأولى ، أي ما هو مسوغ التحول إلى صيغة التثنية ، ألا يحيلنا ذلك إلى المربع الأول ، حيث تشكل المرأة الخارطة الجغرافية لذاكرة الشاعر في صيغتيها الواسطية والكوتية معاً ، أو في إحداهما لا فرقَ . وحيث تتشكل من لقائهما الروحي صيغة التثنية اللغوية . هذه الطريقة في شطر الواحد إلى اثنين تتكرر بصيغة مأساوية في قصيدة ( شمال الجنوب ، جنوب الشمال ، كوت الله ) فتحيل إلى أول جريمة في التاريخ ، ومن ثم عكس صورة الجريمة على الأرض المقدسة / الكوت ، والقداسة جاءت إليها من أربعة مصادر: ألأول : ربطها بالخالق معرفة بالإضافة ( كوت الله ) أو ( واسط ، أعني الكوت روح الله ) أو ( طرقات تتجه نحو الله ) أو ( واسط تتوسط أنهار الله ) أو ( كانت يد الله ) . ألثاني : ربطها بسورة الكهف في القرآن الكريم ، وبالإيحاء إلى كونها واحداً من الفتية الذين آمنوا بربهم ( بقية فتية آمنوا بربهم ) . ألثالث : ألنظر إليها كبيت عبادة لكل الأديان الإبراهيمية ( كانت جامعاً وكنيسة وكنيست ) ألرابع : ربطها – كما سبقت الإشارة - بأول جريمة في التاريخ نجمت عن صراع الأخوين قابيل وهابيل ، مع فارق أن القتيل هذه المرّة ليس أحد الأخوين ، بل هما معاً ( جثتين لمخلوقين ) ، وأن القاتل ليس أحد الأخوين ، بل هو شخص أو أخُ آخر ( ظلم الإنسان لأخيه ) أو ربما أن القتلة هم مجموعة أشخاص تمّ التعبير عنهم بصيغة المفرد على الطريقة البلاغية ( دلالة الجزء على الكل ) ما دام قد تم التعبير عن الضحيتين بذات الصيغة ( لأخيه ) . والطريف في هذه الصورة أنها لم تُجرّد الضحيتين الميتتين من كل قدرات الأحياء ، بل أبقت لهما – وهما الميتان – القدرة على الشهادة ( ليشهدا ظلم الإنسان لأخيه ) : ( وما كانت كوت الله إلا بقية فتية آمنوا كان الله يعاين جثتين لمخلوقين ، تلك خلائق الله تتلاعب بهما ريح ، ويغشاهما نور جثمانان يتوليان ليشهدا ظلم الإنسان لأخيه ) وفي قصيدة ( عين الله ، عين اليابسة – نصّ في المكان ) تتجلى صيغة التثنية صورياً من خلال كأس نصف فارغة ، وهذه الصورة تعني بالضرورة أن الكأس في الوقت عينه نصف ممتلئة ، فنحن في مواجهة نصفين متماثلين في كأس واحدة . لقد اختار الشاعر لنفسه وصف المجنون تعبيراً عن حبه ل ( واسط ) ، جرياً على الطريقة العذرية في التقليد العربي القديم ، ولكنه حب بكأس نصف فارغة ، إحالة إلى المثل المتداول عن رؤية المتشائم و المتفائل . ولكن الحب الواسطي لا يكتمل بواحد من شطري الكأس الإثنين فحسب ، بل بتحوله إلى ثنائية ( أنا / المكان ) او ( أنا إبنها ) واقتران هذه الثنائية بثنائية أخرى معها ، أحد حديها سماويّ والآخر أرضي ( ألله / ألجنوب ) ، وفي حين تتحقق الثنائية الأولى بالانتماء ، تتحقق الثنائية الأخرى بالمصاحبة : ( أنا إبنها المجنون بكأس نصف فارغة وبصحبتين واحدة هي لله والثانية للجنوب ) ولعل القصيدة النوعية الأكثر استيهاماً بصيغة التثنية ، والأكثر تضميناً لثنائية ( المرأة / المكان ) وما يتفرع عنها من ثنائيات هي قصيدة ( لوضوء ترتكبه يداها تتوالد المياه ) والعنونة هي بحد ذاتها مِجرّة من الصيغ والدلالات الثنائية التي تتطلب قراءة خاصة ، ولكننا هنا سنتجاوزها بذريعة أن العنونة تقع خارج هذه القراءة ، مكتفين بالنص الذي تُضيئه مجرّة العنونة من الأعلى . تتفاعل صيغتا المثنى في ثنائية ( يداها / قدماها ) أو بحسب الارتباط النحوي في النص ( يديها / عينيها ) ، وما يتصل بالصيغتين من أفعال وصفات وحروف ، تتفاعل مع بعضها ، وتُفرز تشكيلات لغوية تحيل أحياناً إلى انثى واحدة ، ولكن هذه الإحالة تكاد تكون نادرة ، لأن الإحالة الأكثر تكراراً تعود إلى واحد من حدي الثنائية السابقة . والإرباك الذي يحدث ، وهو إرباك متعمد حتماً يعود إلى أن تلك الصيغ تتداخل مع صيغتي تثنية أخرى تعود إلى الشاعر ( يداي / عيناي ) أو بحسب الارتباط النحوي في النص ( يديّ / عينيّ ) مع أن التداخل الأخير لا يُثقل على القاريء باعتباره قد لحق بالسطور الأخيرة من النص فقط . فالاستهلال ب ( يديها / قدميها ) أفرز حزمة من صيغ التثنية شملت المرأة ، وكلّ ما يحيط بها من خارجها ( ألجفاف / جفافهما ) ، ( خسائر / خسائرهما ) ، ( ضعف / ضعفهما ) . وبالرغم من أن الإحالات هي بالعموم إلى تثنيات مبهمة ، وغير مخصوصة إلى مرجعيات محددة بوضوح . ومع ذلك هناك ست إحالات إضافية أخرى مخصصة للمفرد ، وهي موزعة بالتساوي وبمعدل إحالتين إلى الضمائر التالية : الإحالة إلى المتكلم : - ربما أكون الشاهد الأخير - حين يصير حطبي رماداً ألإحالة إلى المرأة ( بضمير الغائب ) : - والمحبة المتناثرة من نثار لغتها - وراء سورها إحالة مشتركة ( ألمتكلم + مستفهم عنه مجهول ) : - من أشار لحطبي أن يتقد - والتراب أن يورق ( والتقدير هو – من أشار للتراب أن يورق - ) وبذلك تشتبك خيوط النص ، أو يشتبك كل خيطين معاً في نسيج من الصعب فضّه إلا في السطور الأخيرة ، حيث يعترف الشاعر بأنه هو أيضاً كان ضحية ارتباك التثنية ، أو الإرتباك الناجم عن الفعالية الإيحائية ل ( يديها / قدميها ) وما تسبب به من تداخل لغوي / تصويري أدى بالنتيجة إلى تحوّل ( أحطابه ) إلى ( رماد ) : ( لا حيلة بين يديّ الآن سوى أن أغمض عينيّ عما يحدث حين يصير حطبي رماداً وحين التراب يصير أنثى ) ثنائيات متفرغة والسؤال الذي تسبب بهذا الإرباك هو سؤال عن جدوى التثنية ، وعلاقتها بالثنائيات المتفرعة عن علاقة المرأة بالمكان . ولربما تكمن الإجابة عن هذا السؤال في السطر الأخير ، حيث تكتمل سيرورة الخلق بتحول التراب إلى أنثى ، والتراب من الناحية الرمزية هو الوطن ، أو هو المظهر المادي لقيم الانتماء ، وبتحول التراب من صيغته اللغوية الذكورية إلى أنثى تكون ثنائية ( المرأة / المكان ) بصيغتها العامة ، أو ( المرأة / واسط ) بصيغتها المحددة ، أو ( المرأة / الجغرافيا ) بصيغتها الأعم والأشمل ، تكون قد كشفت عن عمقها الرمزي . ويكتسب التعاطي مع صيغة التثنية مظهراً اكثر تفصيلاً في قصيدة ( الآباء والأبناء ) حيث يتخذ الشاعر من ( الحروب ) ذريعة للتساؤل عن نتائجها الثلاث التي سنأتي عليها لاحقاً ، وعن المرجعيات الموقعية التي صدّرتها ( إلينا ) ، والشاعر – كعادته – يطرح الأسئلة ولا يتواخى الإجابة . لكن في الوقت الذي يُبقي فيه الحروب محوراً للتساؤلات ، وهو محور ثابت في ثلاثة أسئلة إستهلالية ، يعمد إلى تغيير العناصر الأخرى والمتمثلة بنتائج الحروب وهي ( الخواء و الفواجع والحرائق ) ومرجعياتها المفترضة ، وهي مرجعيات ثنائية في كل تساؤل ، وتمثل المدن التي يُحتمل أنها المصادر التي زوّدت الحروب بالنتائج الثلاث ، ولكنها مجرّد خيارات إحتمالية لا تتوفر على أي قدر من التأكيد والوثوقية ، وما إيرادها إلا للإمعان في تعقيد الإجابة وإرباك المتسائل ، ودفعه للبحث عن الدلالات التاريخية لتلك المرجعيات / المدن ، ودلالات ربط كل ثنتين منها بنتيجة محددة ، ومن ثمّ دلالات المفاضلة ما بين كل ثنتين من المدن الست . ويبدو أنّ عدم الوضوح في تلك التساؤلات قد أخرجها من سياقها ، وجعل منها نوعاً من التساؤلات الإنكارية . |
عدد المشـاهدات 764 تاريخ الإضافـة 03/07/2019 رقم المحتوى 30558 |